تحليل سياسي للحالة العكاشية

بداية يجب الإشارة إلى 3 أنماط ثابتة في أداء عكاشة خلال الأشهر الماضية،
وهي: تبني أسلوب الكذب قصير الأجل دون حدود منطقية، ودون خشية من تبعات
انكشافه- ينتمي عكاشة إلى الجناح الأقرب
لرموز النظام الموجودين في طرة- عكاشة كان يعبر عن شفيق بوصفه مرشحا لهذا
الجناح، ويتناسب خطابه الإعلامي السطحي مع الخطاب الذي كان يستخدمه النظام
البائد في أعوامه الأخيرة..
الحقيقة المباشرة التي نستنتجها من كلام
عكاشة الليلة الماضية وخطابه النقدي اللاذع ضد المجلس العسكري، هي/ هناك
أجنحة متباينة داخل كتلة النظام السابق..
وفي ظني أن ذلك صحيح..
لكن السؤال هنا، هو: هل هذه الأجنحة لا تعبأ بفضح خلافاتها على الملأ، ومن ثم دخلت في مرحلة تكسير العظام؟..
أم أن عكاشة فعلا ينتمي إلى أحد الأجنحة، وهو الجناح المدعوم من المخابرات
العامة كما يكشف كلامه، وأن ذلك الجناح هو الذي قرر التصعيد منفردا ؟

أم أن الأمر عكس ما يوحي ظاهره، وأن عكاشة يعمل لصالح العسكري وإن كان يوحي
بعكس ذلك من أجل قطع الطريق على الإخوان؟ أو على المخابرات إذا كانت
بالفعل تخطط لأمر ما؟
- كل الأجنحة المنتمية للنظام السابق تدرك جيدا
أن العسكري هو أداتهم الوحيدة للسيطرة والبقاء وحماية المصالح، فلو أن
المخابرات العامة تعمل ضد العسكري، فلأجل ماذا؟ أن تتسلم هي إدارة الحكم
مثلا؟ ولو كان الأمر كما يوحي عكاشة هو التحريض على انقلاب ضد العسكري، فهل
هذه هي الطريقة المناسبة: أن تنشر المخابرات مخططها على الرأي العام؟..
عكاشة يدرك جيدا أن العسكري هو الذي يسيطر على منظومة الإعلام، والوزير
أنيس كان رئيسا سابقا لإدارة الشئون المعنوية بالقوات المسلحة، وبالتالي
يمكن أن يوقف بث قناته فورا، وإذا لم يحدث ذلك في الساعات القادمة، فهو
يعطي دلالة واضحة على البرمجة المسبقة..
- أعتقد أننا أمام احتمالين،
أولهما، هو ما يوحي به كلام عكاشة بصورة مباشرة، عن تسبب فوز مرسي في تعميق
التصدع داخل الكتلة القديمة، وأنهم كانوا يريدون التزوير لشفيق، لكن
العسكري خشي من انفلات الأمور لصالح الثوار الذين ستتوحد صفوفهم في
الميادين، ويدعم ذلك ما نقله المسلماني عن توجه الحرس الجمهوري لحماية منزل
شفيق، وعن ممعلومات نقلها له أعضاء داخل العسكري بفوز شفيق..
في هذه
الحالة، الصراع داخل كتلة النظام البائد بعيدٌ عن صفقات مع الإخوان، فهو
مفاضلة بين خيارين بحسب اختلاف التقدير بين الفريقين في التأثيرات السلبية
لكل خيار على مصالح كتلة النظام البائد.
ولكن يبقى السؤال حول النتيجة
النهائية المطلوبة من تفعيل هذا الصراع وإخراجه للعلن، وكما هو واضح- أو
كما يريده عكاشة أن يتوضح- فإن المخابرات العامة هي من كان يقود خيار شفيق،
وأن المخابرات العسكرية كانت تؤيد عدم التزوير لصالح شفيق خشية التداعيات،
وأن الأخيرة فرضت خيارها في اللحظات الأخيرة...
الاحتمال الثاني، أن
عكاشة بوق إعلامي يُوظف لدعم خطة لإشاعة الفوضى السياسية عن طريق إسقاط
الخطوط الحمراء، وتناول القضايا المحرمة سياسيا على الملأ، ولو لاحظنا فنحن
اليوم نتحدث عن جزئيات لم يجرؤ أحد على طرحها من قبل على شاشات الفضائيات
بعد الثورة، اللهم إلا في حالة أو حالتين..
إذن ربما يكون المطلوب هو
إسقاط هيبة القوى السياسية ومراكز السلطة والنفوذ وإشاعة جو من عدم الثقة،
ومن ثم تصبح قدرة الرئيس على تفعيل سلطته في هذه الأجواء شبه منعدمة، ومع
تراجع إمكانية تفعيل السلطة، يأتي دور القوة الفعلية، ومن المعروف أن
السلطة والقوة بينهما تداخل تعريفي في علم السياسة، فقد يملك طرف ما السلطة
لكنه لا يملك القوة لاستخدامها، بينما قد يملك طرف القوة بدون سلطة رسمية،
لكنه بقوته يفرض إرادته..
إذن نحن في صراع سياسي موضوعه "الشرعية والسلطة والقوة" وهذا هو موضوع المشهد السياسي المصري في الفترة القادمة..
- في الأيام القادمة، لو استمر عكاشة في طرح الأفكار نفسها دون تعرضه لأية
مضايقات، فهذا سيدعم الاحتمال الثاني، أما إذا توقف أو أُبعد، فهذا يدعم
الاحتمال الأول..
ولا يخلو ما يفعله عكاشة من تأثيرات جانبية ربما تكون
هي المقصودة أساسا، وهي إشغال الرأي العام بقضايا جدلية مثيرة إعلاميا،
لكي يبتعد عن إشكالات تسليم السلطة والإعلان الدستوري وحل البرلمان، ويبقى
عاجزا عن تحديد: من يتحالف مع من؟ ومن يدعم من؟ وبذلك يبقى العسكري دائما
هو القوة الأكثر استقرارا وثباتا في الشعور العام..
- هذه التعقيدات
كلها لا يجب أن تشغلنا عن حقيقة هامة، وهي أن كل التدبيرات والتخطيطات منذ
فبراير 2012م كانت تتركز بصفة أساسية على حماية منصب الرئاسة من أن يصل
إليه رئيس ثوري وطني، وخاصة لو كان إسلاميا، فماذا كانت عاقبة مخططاتهم
كلها؟
تولى رئاسة مصر قيادي إخواني كان عضوا سابقا في مكتب الإرشاد.. (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين)