يسر العبادة في الإسلام

العبادة في الإسلام سهلةٌ ميسَّرة لا تكلف الإنسان شططاً ولا تحمِّله ما لا يطيق، فهو مكلف بما في وسعه دون مشقّةٍ أو تعب.
والقرآن الكريم ينفي الحرج عن هذا الدِّين نفياً كلياً فيقول في ختام آية الطهارة وشرعية التيمم: (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (المائدة/ 6). وفي ختام آية الصيام وما ذكر فيها من الرخصة للمريض والمسافر من الفطر والقضاء قال تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) (البقرة/ 185).
ويبيِّن الله سبحانه وتعالى صفة النبي (ص) عند أهل الكتاب: (الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ...) (الأعراف/ 157).
لهذا علَّم الله تعالى المؤمنين أن يقولوا في دعائهم: (رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ...) (البقرة/ 286).
والعبادة في الإسلام تتسع لكل مراتب الناس ودرجاتهم: الظالم لنفسه، والمقتصد، والسابق بالخيرات. قال تعالى: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) (فاطر/ 32).
هناك مَنْ يكتفي بأداء الفرائض وقد يقصِّر فيها ويقتصر على ترك المحرمات وقد يقع فيها فهذا ظالم لنفسه. وهناك مَنْ يلتزم بأداء الفرائض ولا يقصِّر فيها، ويلتزم بترك المحرَّمات ولا يتهاون في الوقوع في شيءٍ منها وهو المقتصد. وهناك مَنْ لا يكتفي بترك المحرمات بل يتَّقي الشبهات إستبراءً لدينه وعرضه، بل يرتقي فيَدَعُ المكروهات، ثمّ يرتقي فَيَدَع ما لا بأسَ به حذراً ما به بأس.
وفي جانب المأمورات لا يكتفي بأداء الفرائض فهو يتقرّب إلى الله تعالى بالنوافل حتى يحبَّه كما في الحديث القدسي:
"وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افَتَرضته عليه. وما يزالُ عبدي يتقربُ إليَّ بالنوافلِ حتى أحبَّه، فإذا أحبَبتُه كنت سمعَه الذي يسمَعُ به وبَصرَه الذي يُبصِرُ به ويدَه التي يبطِشُ بها ورجلَهُ التي يمشي بها، وإن سألَني لأُعطيَنَّهُ، ولئن استعاذَ بي لأُعيذنَّهُ".
فإذا كانت الفرائضُ توصلُ صاحبَها إلى منزلة القُربِ من الله، فإنَّ النوافلَ ترقى به إلى منزلة الحبِّ من الله تعالى وهي منزلة السابق بالخيرات بإذن الله.
لقد وَسِعَتِ العبادة في الإسلام كلَّ طبقات الناس. وقد ذكر: أنَّ أعرابِيّاً جاء إلى رسول الله (ص) ثائرَ الرأسِ فقال: يا رسول الله، أخبرني ماذا فَرَضَ اللهُ عليَّ من الصلاة؟ فقال: "الصلواتِ الخمسَ إلاّ أن تَطّوّعَ شيئاً". فقال: أخبِرني بما فَرضَ الله عليَّ مِنَ الصيام؟ فقال: " شهرَ رمضانَ إلا أن تَطّوّعَ شيئاً". فقال: أخبِرني ما فَرضَ الله عليَّ منَ الزكاةِ؟ قال: فأخبرَهُ رسول الله (ص) بشرائعِ الإسلام. قال: والذي أكرمَك بالحقِّ، لا أتطَوَّعُ شيئاً ولا أنقُصُ مما فَرَض الله عليَّ شيئاً. فقال رسول الله (ص) "أفلحَ إنْ صَدَقَ. أو دَخل الجنةَ إن صَدَقَ".
العبادة في الإسلام تتسع حتى للعُصاةِ التائبين، ولا تُغلَقُ في وجوههم أبوابُ الرحمة مهما تكن جرائمُهُم وإسرافهم على أنفسهم؛ وفي هذا يقول عزّ وجلّ: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الزمر/ 53).
أنظر معي أخي المسلم كيف أمَرَ الله تعالى رسولَهُ (ص) أن يبلِّغَ مَن ابتعدوا وأسرفوا على أنفسهم بأنّ الله سبحانه وتعالى يناديهم بهذا النداء اللطيف برغم معصيتهم وإسرافهم على أنفسهم: (قُلْ يَا عِبَادِيَ) ليشعرهم بأنّ صلتَهُم بربّهم لم تنقطع، وأنّهم – برغم ما ظلموا وأسرفوا – عباده الذين لا يجوز لهم أن يقنطوا من رحمته أو ييأسوا من روحه؛ فإنّه لا يقنَطُ من رحمة ربّه إلا الضالون، ولا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون.
وقد بيَّن الله سبحانه وتعالى أنّ الإنسان إذا وقع في خطيئةِ الشِّرك أو القتل او الزنى ثمّ عاد إلى الله تعالى وتابَ توبةً نصوحاً فإنّ الله سبحانه وتعالى يتوبُ عليه. لنقرأ قول الله سبحانه وتعالى: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) (الفرقان/ 68-70).
وقرأ الإمام الحسن البصري – رضي الله عنه – قوله تعالى في سورة البروج: (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ) (البروج/ 10)، فقال متعجِّباً من عظيم فضل الله تعالى وسعة عفوه ورحمته: قتلوا أولياءه، ثمّ لم يُيَإِسهم من إمكان قبولِ التوبة.
والعبادة في الإسلام كما شرعها الله تعالى وبيَّنها رسولُهُ (ص) عبادةً معتدلةً متوازنة؛ فلا يُقبَلُ فيها التنطُّع ولا الغلوّ الذي يجور به المسلم على نفسه وعلى الآخرين.
لم يطلب الإسلام من المسلم أن يعتزلَ الناسَ والحياة ليتعبَّدَ في صومعةٍ أو يترهَّبَ في دير، بل أنكَرَ على الذين ابتدعوا الرهبانية من عند أنفسهم ثمّ لم يرعوها حقَّ رعايتها. وأنكَر الرسولُ (ص) على مَن غَلا مِن أصحابه في العبادة والزهد مبيِّناً له طريق الإعتدال والتوازن وهي سنته (ص) التي يجب اتِّباعها ولهذا: جاءَ ثلاثةُ رَهطٍ إلى بيوتِ أزواج النبيّ (ص) يسألونَ عن عبادةِ النبي (ص)، فلما أخبروا كأنهم تقالُّوها، فقالوا: وأين نحنُ من النبيِّ (ص)؟ قد غفرَ الله لهُ ما تقدَّم من ذنبهِ وما تأخَّر؟ قال أحدُهم: أما أنا فأنا أصلِّي الليلَ أبدا. وقال آحر: أنا أصومُ الدهرَ ولا أُفطر. وقال آخر: أنا أعتزِلُ النساء فلا أتزوَّجُ أبداً. فجاءَ رسولُ الله (ص) فقال: "أنتم الذين قُلتُم كذا وكذا؟ أما والله، إنّي لأخشاكُم لله وأتقاكُم له، لكنّي أصومُ وأُفطِر، وأصلِّي وأرقُد، وأتزوّجُ النساء، فمن رغِبَ عن سُنَّتي فليسَ منّي".
إنّ العبادة في الإسلام لا تقتضي من المسلم أن يديمَ صيامَ النهار وقيامَ الليل، وبذلك يجورُ على حقِّ بدنه في الراحة، وحقِّ أهله في المؤانسة، وحقّ مجتمعه في المعونة. وهذا ما أوصَى به (ص) عبدالله بن عمرو حين تفرّغَ للصيام والقيام والتلاوة، وغفلَ عن حقِّ نفسه وحقِّ زوجه وحقِّ زواره؛ فأمرَهُ النبيُّ (ص) بالإعتدال قائلاً: "فإنّ لِجَسَدِكَ عليكَ حقاً، وإنّ لعَينِكَ عليكَ حقاً، وإنّ لزَوجِكَ عليكَ حقاً، وإنَّ لزَوْرِكَ عليكَ حقاً".
القرآن الكريم في أكثر من موضع شدَّد الإنكارَ على الذين حرّموا طيِّبات ما أحلَّ الله لهم، وبيَّن لهم أنّ الله تعالى خلقَ لهم ما في الأرض جميعاً. وما كان سبحانه ليخلقها لهم ثمّ يحرّمها عليهم؛ كل ما طلبه منهم أن يتناولوها بإعتدال بلا إسراف ولا تقتير، وألاّ يعتدوا فيها على حقِّ أحد، وأن يشكروا نعمةَ الله فيها بالإستعانة على طاعة الله وعدم إستخدامها في معصيته وإفساد أرضه.
قال الله تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ * قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (الأعراف/ 31-32).
فلا حرج على المسلم أن يستمتعَ وقد أدّى ما افترضَهُ الله عليه: يستمتع بطيِّبات المأكل والمشرب، والملبس والزينة، وطيِّبات المسكن، وطيِّبات الحياة الزوجية، وطيِّبات اللهو والترويح عن النفس فيما أحلَّ الله تعالى.
اللّهمّ ارزقنا الحلالَ وبارك لنا فيه، وجنِّبنا الحرامَ وباعِدْنا عنه يا ربَّ العالمين.

جزاك الله كل الخير
وجعله في ميزان اعمالك
ونفع بك وكل الود والتقدير لشخصك الكريم
ولا حرمنا الله جديدك
في امان الله

سلمت اناملك الذهبيه على ماخطته لنا

كم انا سعيده وانا واقفه هنا

اروي ناظري بحروفك المفعمه

بالاشياء الجميله