ياشهر الصبر
عطاء " أم معاذ "
(1)
كم كنت خائفة من دخول هلالك وأنا أعاني بلادة وضياع..
وتفرق وشتات..إذ القلب قد ضاع وتشتت في شعاب وأودية..
وبكى مني القلب بكاءً أليماً أن تحل بداره ضيفاً عزيزاً وهو يعيش بل يموت في لحظات ذهول
وكيف يحتفى بضيف عزيز والقلب عنه ذاهل..
تجرعت مرارة أسى ..وتجلدت لأقف على أرض الإيمان الصلبة..
وهمت نفسي أن تيأس لولا نسائم مرت بي فحركت دموع الحزن التي كادت تجتمع لتغرق فؤادي
بالحزن واليأس..
فكأنما مدت يديهاإلي..أن قومي..
وحلقي في فضاءات الإيمان..
وتعرضي لنفحات رحمة الواحد الديان..
فلا خزائنه تنفد
ولاالواقف ببابه يطرد..
لحظات تردد وتمزق عصفت بي..
وحارت نفسي
من أين أبدأ!!
وكيف أبدأ؟؟
سؤال بقي معلقاً ..ينتظر إجابة
واللحظات تتلاحق..في عمر الزمن..تستحثني أن أجد إجابة.
وبينا أنا في حيرتي..
إذ يعلن دخول الشهر..ليجيب على تساؤلاتي الحائرة..
فيبتسم ثغر الليلة الظلماء بألف إجابة وإجابة..
(2)
تنازعني نفسي أهواؤها..
وتتقلب علي لتذهب هيبة الشهر من نفسي
فتعُمل سلاحاً خفياً ينفذ إلى روحي كما الخنجر المسموم ليضعف سيري
ويمضي الشهر في نفسي سريعاً كغيره من الشهور..
فانظر إلى هلاله عالياً قد زيّن السماء
فكأنما يرسل عبر ضوئه رسائل ذكرى..
الأيام لاتقف ..بل تمضي..والحبيب لابد أن يرحل ويودع
فإياكِ أن يرحل ولم تستكثري من عطاياه..
وتوحشني ظلمة الليل
وظلمة نفسي
التي تعالت في سمائها سحب المعاصي
فكادت تخنق نور القمر الذي تسلل إليها بقدوم الشهر..
وأنظر إلى ليلك يا رمضان
فتضطرب نفسي شوقاً
وكأنني أسمع أنين المذنبين في سمائك يعلو ليخترق الغمام
وينطرح على أعتاب الرحيم الرحمن
وكأنني يارمضان..
أسمع صوت الدموع وهي تتساقط لتذيب القلوب القاسية وتحررها من قيد الغفلة والمعصية
وكأنني يارمضان..
كلما تلفت في أكوانك..
أجد حبلاً ممدوداً لطاعة يدعوني
ألا أظلم
وألاأتوقف
وألا أفرّط
وألا أشغل عن المقصود الذي من أجله خلقت..
ويدعوني..
مع كل ترتيلة لمنيب
وكل زفرة لتائب
وكل دمعة لمستجير
وكل خفقة لمشتاق
أن اطرقي الباب
فيارمضان الخير
أوقد مصابيح نور في قلبي
وأنر بصائر كادت تتوه في مدلهمات الخطوب..
(3)
وأقلب بصراً في دنياي فأرى غربة تقترب جدرانها مني
لتوحش نفسي..فماعادت الدنيا هي الدنيا على قباحتها أراها تزداد قبحاً
ولاعادت النفوس هي النفوس..ولاعاد رمضان هو رمضان..
وكأنك تحمله في قلبك لتفر به حتى لايدنس أيامه ولياليه من حولك
وكأنك تتوحد معه لكي لاترى سواه ممن يعبث بأيامه ولياليه
وتسقط دمعةحرّى لترسم وحشة وغربة من زمان تغربت فيه النفوس عن آخرتها
وتغربت نفسي في دنياي..فغدا مني السير بطيئاً ملتفتاً لتلك القواطع
منشغلاً بتلك الأحزان متعثراً بتلك الآلام
وتأتي يارمضان لتكفكف دمعاً على دنيا زائلة
وتأتي يارمضان لتنسج في صفحات عمري قصة لبلوغ معالي
وتأتي يارمضان لتحدث نفساً بمزيد اغتراب وتوحد مع مطلب أسمى..وتشحذ همة لتتقد حين هجوع أكوان
وتأتي يارمضان لترسم بسمة في طيات أيامي تمحو أحزان عمر
فيارمضان الخير أجري مني دمعاً ليغسل ملوحة آثامي وأدراني
ويارمضان أطلق الروح من قيد هوى ورغائب لتحلق في فضاءات العبودية والحرية
(4)
وينطلق صوت ذلك الشيخ عبر إذاعة القرآن تالياً من آي الكتاب في صلاة التهجد معطراً الأسماع بخشوع
مهيب يعطي لعجلة الزمن لحظة صمت وتوقف لتقف مسبحة خاشعة..
ويمضي تالياً فكأنما يفتح صفحات من عمري قد طويت بما فيها ..ويحمل مع صوته نسائم رمضان ذلك
الزمان..ويستعبر فكأنما يهتز الكون في داخلي وتسقط دمعة لتغسل بيض صحاف سودت بتتابع أيامٍ وليال
ويحن الفؤاد لتلك الأيام التي طوت صفحة هذا الشيخ فمضى إلى ربه..وبقيت صفحات عمري منشورة
لأملأها بسواد أو بياض..
فياليت ليال عمري تطاوعني وياليت خضرة أيامي المرتحلة تصاحبني..لأغرس فيها غرس الإيمان
وأنت يارمضان قد أقبلت بخضر أيام لأبذر وأغرس وسود ليالٍ حالكات ..لأتوارى وأناجي..وأطلق
روحاً مكبلة بقيد بل قيود من أسرها لتتنفس نسيمات صباحك..وعبير ليلك..فيا أنفاس التائبين عطري
الكون بعبير توبة ..ويادموع المنيبين اغسلي آثار الخطائين من رق الأيام فلعل آثار دموعهم تبقى..
(5)
وتتوه نفس في فضاءات الكون الفسيح لتطلق استفهامات عبر الأثير..تود أن لويسمعها الحجر والشجر
وكل مسبحٍ لله فيجيب..أين ذهبتُ أنا؟
أين تلاشت روحي ..وفي أي مكان ٍ انزوت وفرت عن اجتماع..
وكلما سمعت صوت مسبح اهتزت مني الروح لتعيد ذكرى في عمر الزمن لعبير طاعة شردت ولم تعود
وكلما صفت قدم لتبرم ميثاق عبودية وانطراح زارت نسائم تذكر بطيب أيام لما كانت الروح حرة من قيد
أبية تحلق فوق القمم..
وكلما ذل جسد بانطراح فرّت مني الكلمات تحاول جاهدة اختراق الغمام علّها تحظى من لدن الرحيم
بنفحة رحمة لاجتماع نفس ..
إيه يادنيانا كم تعبثين بنا..
ونظن ألا أثر لخطوك في نفوسنا
فتأبى آثارك إلا أن تظهر في لحظة حاجة
كم رسمت على نفوسنا وحفرت من أخاديد لتغتالي روحاً مع مرور زمن ونحن في غفلة
لم ندرك أن مبضع الدنيا جروحه لاتندمل..ولاتبرأ
وتشتاق النفس لفيض صبر..
وتجأر للرحيم
أن أطلق الروح من قيد
فقد رأت
تعثر خطو
وحرر
الفؤاد في زمن يتسارع فيه الزمن ليجني كل من ثمار وكنوز
وأغرس قدمي الصبر
في أرض روح مقحلة
رغم الألم
فلا ألم
أعظم
من سير
في أرض قفر
(6)
ماأعظم أن يضيع المرء ماجمع!!
وقد يغترّ ويظن أنه يملك الكثير..فلا زال للطاعة بريق
وللكلمات جلجلة
ويسير في دهاليز غرور وعجب
وتأتي لحظات أشد مايكون فيها حاجة للحظة صدق وشفافية
للحظة صفاء واجتماع
ويحاول جاهداً أن يلم شعث نفس فلا يستطيع فيسقط في يدٍ ويرى أنه أضاع كثيراً
وقد ضاع منذ زمنٍ ليس باليسير..
وتفر منه نفسه
ويقف لحظات عجز
ويراشي الروح أن تقاربي مني..وذكري بأيام اجتماع لعل نفس تشتاق
فتنفض عنها رعونة أماني
وحبائل خداع
ويغتالني العجز في لحظات أريد فيها حلاً
فلايأس مع رحمة الرحيم
ولكن لكل حقيقة
برهان
وبرهان الإيمان نفس تذبح على نطع الامتثال
وتقيد بقيد الصبر
وتجمع من شعاب الدنيا بهمة تبلغ الثريا
وميثاق إيمان واحتساب
يخفف عناء السير
ويري منازل القوم وراياتهم
ويسمع أصواتهم يتنعمون ويتقلبون في النعيم المقيم
فتطير الروح إليهم شوقاً
وتسابق مع من سبق
(7)
كل عـــــــــــــام منك يارمضان أظن وأتوهم أنني أتلقى الدروس نفسها
وأخرج بالعظات ذاتها وربما أكتب الحروف نفسها..
ولكنني أرى النفس تتقلب فيك يارمضان في كل عام تقلباً عجيباً..
وكلمامضى منك عمراً من عمري تخط دروسك في روحي حروفاً لايجف مدادها..
وأرى نفسي بين إقبال ٍ وإدبار وخوف ورجاء وقوة وضعف وحزم وتفريط
ولكن سير أيامك دائماً في كل عام يخيفني ويهزً نفسي العابثة أن تأملي سرعة سير
ومضي ليال وأيام ملأى أو خوالي..
وتخلع النفس رداء التشبع بما لم تعط َ لتلبس حلة انكسار وتقف بباب الكريم أن اخلع علي يارب من حلل
الافتقار والعبوديةوالذل والانكسار لعل نفساً بداخلي تذل ..وترعوي..
وأن أكرمني بعطايا رحمة تخفف عن الروح لهيب شهوة دنيا قد ضربت طنبها في نفس فتية تأمل ببقاء..
وأن أسبغ علي بسابغات صبر لتذوق روحي الصبر..فما أشد حاجتي له
فألم صبرٍ أهون على الروح من شتات وتفرق نفس..
فياأقدام الصبر احملي فلم يبق َ من دنيانا إلا قليل..
وياهمة تطمع في بلوغ مرتقى..رابطي واصبري وصابري
ويافؤادي المكلوم بذل الحرمان اغرز راية الصبر في أرض الصدق..ولاتيأس..
فلقد لاحت لي بشائر الفجر من بعيد..
(
هاهي أيامك تمضي مسرعة وأنا أعجزعنها لحاقاً فتفوتني العبرة وأقف مشدوهة
لانصرام لياليك وأيامك ...وأعجب لعجلة أبت التوقف كي تمهلني أن أحل اللغز وأفك الطلسم
إيه يارمضان..
أين تاه القلب مني ..وفي أي زواية نسيان تركته..يعاني رياح غربة ووحشة..فتقفر الروح رغم سير بدن
كل ماأدركته يارمضان...
أن الغرس إذا غفل عنه عبث به العابثون..
فلا بكاء لبواكي
ولانواح على زروع اقتلعتها رياح غفلة..
فلم تمد رأساً إلى السماء فتشتم رياح الجنة
وماأدركته يارمضاني الحبيب ..
أن سيراً يتوهم صاحبه أنه قد قطع أميالاً بخطو قدم لايعد سيراً .
.بل التفات لخطو قلب كيف كان سيره واغترار بقطع طريق!!
.فلعل السائر مازال واقفاً..
أولعل مفازات قد قطعت به الطريق..فتاه وهلك..
أولعل قواطع شغلت... فألهت... وأثقلت..فأقعدت..!!!
إيه يارمضان..
درسك هذا العام..مرٌ كمرارة روحي..عذبٌ كعذوبة ترنم بآي قرآن..
يأبى مني إلا الصدق..
ورقك..
لايريد إلا سكب مداد حق
ودربك...
لايريد إلا سير قلب
وأمانيك...
لاتريد إلا همة موثقة بعمل..
مضى وقت اللهو واللعب..
وبدأ يارمضاني الحبيب وقت جد وعمل.
.فاحمل معي عصا الترحال لنجوب صقع عزيمة ومجاهدة
ولنذق رمضاء أيامك فإنها تذكي الروح عن قعود إخلاص وادّعاء سير
(9)
نسائم خير تهب من قبل العرش ..فيشتاق الفؤاد للوصل..
فينادي..يارب ..عبدك فقير..عبدك كسير..عبدك حسير..
فاعصم من الزلل..وخذ بناصيتي إلى البر والتقوى ..حتى يكون ماتحب أحب إلى مما تهواه نفسي وتحب..
وتزداد النفس قوة وثباتاً ,فكأن حبالٌ من السماء تمتد لتذهب ضعف نفس فتتعلق بحبال رجاء
((والذين جاهدوافينا لنهدينّهم سبلنا وإنّ الله لمع المحسنين))
ويشتعل فتيل في روح..فيدفعها لتسابق خطو أيام تسابق عجلة أيام عمري..
وأنظر إلى سود ليالي عطرت بأنفاس الذاكرين فتغار نفسي ممن سبق..وأنظر إلى خطوي أيامي فاراه
بطيئاً قد عرقلته الشهوات وتعثر بالعلائق فسقط في منتصف الطريق..
وتداوم عيني نظراً لذلك الأفق الذي تمتد فيه قصة عابد خلا بمولاه يناجيه..وباكٍ غسل سود أيامه بماء
التوبة واليقين..
ويعلو نشيج ..ليحكي شوقاً لوصل وخوفاً من هجر وأن يكون ممن قلاه مولاه..
يارب ..أي شيء أنا دونك..
يارب..أي حياة تلذ وتطيب وأنت عليّ ساخط
يارب..أي طعم للسعادة أفتش إن كنت ممن طردته من أعتابك
يارب..عبيدك سواي كثير وليس لي سيد ومولى سواك..فاقبلني ياسيدي وتقبل مني قليل العمل