الخريطـــــــــة .....قصة قصيرة

تاريخ التسجيل : 23/08/2009

الخريــــــطه

كعادته يرمى كل أحمال يومه المرهق على تلك الوسادةالبالية بعد أن خارت قواه فى يوم طويل حافل بالشرح لمادة الجغرافيا التى كثيراً ما عانى لمحاولة إيصال مقاصده الإيضاحية لمجموعة من الطلبة الذين أصبحوا لا يكترثون بما يقول ....يخلع عنه بذلته ويدخل فى معركة مع تلك (الكرافت ) التى كثيراً ما سأمت هى عنقه الرفيع وككل يوم يدخل معها فى مشاكساتٍ ومعارك ضارية حيث أنه لا يتقن فكّها ،أو بالأحرى تخور قواه من ذاك اليوم الملىء بالإجهاد فينعكس ضعفه على رابطة العنق وبعد أن يلقى بنفسه كجثة هامدة على سريره الذى يعزف موسيقى تستنكرها آذانه، كى ينام سويعات قليلة ليستعد لمجموعة التلاميذ التى ستأتى اليه ، وقبل أن يغط فى نومه العميق كان يحملق أمامه فى تلك الخريطة التى هى بعرض الحائط والتى لا يهتم بأى شىء إلا بها فكثيراً ما كان ينظفها ويزيل عنها أية ذرات من الغبار كى تبدو فى مقلتيه كمعشوقة ترتدى أبهى حلة لها . يبحر بخيالاته المحلّقة فى تلك الخريطة ويتنقل ما بين شعابها ،وما بين بحارها ،ويصعد فوق قمم جبالها العاليات ليستشرف من فوق الجبال زمناً يداعب جفنيه الزائغتين وحلماً يساوره من بين حين لآخر .... الغريب حقا هو إهتمامه فقط بتلك الخريطة ،حيث أن بقايا سجائره التى تراها فى رمقها الأخير تارة ،وفى منتصفها تارة أخرى وربما تجد أيضاً سيجارة قد تم إشعالها من الخلف، كل تلك البقايا منتشرة فى غرفته وبعضاً من بقايا طعامه الذى يصعد مع جلبابه دوما تلك الوسادة التى تعانى من كثافة شعره الخشن ،وناهيك عن ذاك الحذاء الذى تبعد كل قطعة منه عن الأخرى كعاشقيْن اكتشفا خيانة أحدهما للآخر ،فى زخم تلك المعمعة الفوضوية لم يكن مهتماً إلا بتلك الخارطة ....لم ينسى ذاك اليوم الذى إستعارها منه زميله فى العمل ليوم واحد وكيف كان لا ينعم بلحيظة نوم واحدة وكأن طفل لديه هو الذى غاب عن البيت كانت تلك الخارطة طفلته المدلله ومعشوقته الفاتنة وعالمه الرحب فى ظل الإختناق الذى يعانيه كل يوم وكل ليلة ..... لم ينتبه ليرقة العنكبوت التى كانت تتخذ زاوية لها فى تلك الخارطة كانت تنزوى بعيداً عن بحاره وجباله وغاباته وهضابه ووديانه وما إن لاحت لعينيه تلك اليرقه العنكبوتيه لم يعرها إهتماما لكونها بعيدة عن دائرة الإهتمام لدية فى خارطته المحببة إليه ......ليستقيظ

على كابوس مزعج لم يكن يتخيله فقد إنتشرت تلك العنكبوته لتهيمن على بحاره ووديانه وغاباته وهضابه ،تسمّر فى مكانه من هول ما رأى ، كان يقبع فى منطقتيْن متضادتيْن منطقة إستجداء القوة وإستلهامها ومنطقة الخوف والرعب الذى يعتريه من هول ما رأى ،ماج يمنة ويسره كى يبحث عن شىء لإنقاذ خريطته وما إن إقترب من العنكبوته حتى هاجمته بكل ضراوة وبكل شراسة ،كان فى قمة تعجبه ...!!كيف لهذى اليرقة التى كانت وديعة والتى لم أعرها إهتماما تصبح بهذى الشراسة؟ أحقا كان نومى عميقا لهذى الدرجة التى جعلها تنتشر كوحش لا يمكن مقاومة ضراوته؟! كل هذى الاسئلة دارت فى عقله بهستيريا المفاجأة وبخوف تمكّن من جميع أنحائه التى كانت ترتعد مرتلة ديباجــةالرعب بين أوصالها ....كلما أقترب صفعته بشراسة وبتصميم ،كم كان يموت رعباً حين تبرز عن أنيابها ...أخذ يلتفت يميناً ويساراً كــي يبحث عن أى شىء يقاومه بها ولكن كل الأشياء لا يمكنها مجابهة تلك العنكبوتة وفى آخر الأمر وقعت عينه على تلك (القداحة) التى حينما رآها وكأنه عثر على السلاح الذى سينهى به وجود تلك العنكبوتة، وأقترب بنشوة غير عادية ليلتقط قداحته ليكتشف أنها فارغة..! أيقن بأن كل شىء يقف ضده هو لا ضدها ، ولما أدرك أن مقاومتها بالقوة لن تجدى شيئاً مع وحشيتها حاول أن يتفاوض معها بطريقته فتقمّص دور المسالم وبعينيه مسحة إرتضاء بما ستعطيه له تلك العنكبوته وفى ظل إبتسامته أخذ يقترب رويداً رويداً منها، ويكأنه كان يخبأ لها وراء ظهره ما يرديها وأقترب وأقترب وبادلته العنكبوته تلك الإبتسامه فرقّ قلبه لها فعلا ووقعت من وراء ظهره تلك الآلة التى كان سيرديها بها ،أملا منه أنها سوف تقنع لمغادرة خارطته بالتفاوض معها .....وساد الصمت الغرفة إلا من قرع أقدام التلاميذ الذين أتوا حسب ميعادهم مع أستاذهم وحينما دخلوا الغرفة أصاب الذعر عيونهم البريئة وأقدامهم الصغيرة لم تستطع الحراك ...!! فلم يجدوا إلا عنكبوتة تهيمن على الخارطة التى يسيل من عليها بقايا من الدماء..............!!!!!!

تمت بحمد اللــــــــه .....
__________________

الموضوع الاصلي : الخريطـــــــــة .....قصة قصيرة المصدر : منتديات الرومانسي

habeb_alroh ; توقيع العضو